القضاء ينتصر للدستور في بيع العقارات
في سابقة قانونية مهمة تُسجَّل في تاريخ القضاء العراقي، أصدرت محكمة القضاء الإداري قرارًا يقضي بإلغاء قرار البنك المركزي العراقي رقم 9/4/13/2025،

سيف الحلفي*
في سابقة قانونية مهمة تُسجَّل في تاريخ القضاء العراقي، أصدرت محكمة القضاء الإداري قرارًا يقضي بإلغاء قرار البنك المركزي العراقي رقم 9/4/13/2025، والذي كان يُلزم المواطنين بإتمام معاملات بيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار عراقي حصريًا عن طريق المصارف.
ويُعد القرار انتصارًا للدستور وحق الملكية الفردية المكفول بموجب القانون الأعلى في البلاد، كما أثار اهتمام الأوساط القانونية والاقتصادية.
تجاوز في الصلاحيات وتقييد غير دستوري
أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها أن البنك المركزي تجاوز حدود صلاحياته القانونية بإصدار هذا القرار، مؤكدة أن حق الملكية من الحقوق الدستورية المصونة بموجب المادة (23) من الدستور العراقي، والتي تنص على أن تملك العقار والانتفاع به لا يجوز تقييده إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، لا بقرارات أو تعليمات إدارية.
وشددت المحكمة على أن البنك المركزي لا يمتلك سلطة تقييد البيع أو الشراء العقاري، وأن مثل هذه الإجراءات تمثل تدخلًا غير دستوري في حق أساسي للمواطن.
وبناءً على ذلك، حكمت المحكمة بإلغاء تعليمات بيع العقارات التي تزيد قيمتها على 100 مليون دينار، مع إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقًا.
إعادة الاعتبار للدستور وهيبة القضاء
وصف مراقبون القرار بأنه نقطة تحول في العلاقة بين المؤسسات الإدارية والقضائية، حيث أكد أن هيبة الدستور فوق كل السلطات، وأن وظيفة القضاء لا تقتصر على الفصل في النزاعات، بل تشمل حماية المبادئ الدستورية عند وجود قرارات إدارية مخالفة من قبل السلطات التنفيذية.
وأكدت المحكمة أن سلطة الدولة يجب أن تمارس ضمن إطار القانون وفق الصياغات القانونية والتشريعية المعمول بها.
القرار يشمل جميع البيوع العقارية
وبحسب نص الحكم، فإن الإلغاء لا يقتصر على البيوع في المجمعات السكنية، بل يشمل جميع أنواع العقارات في عموم العراق التي شملها قرار البنك المركزي محل الطعن، ما يمهد الطريق لاكتساب الحكم الدرجة القطعية بعد استكمال الطعون القانونية المحتملة.
الركود العقاري وهدر المال العام
استندت المحكمة في قرارها إلى آراء خبراء ومختصين في الشأن العقاري والمصرفي، وأشارت إلى أن القرار المصرفي أدى إلى ركود واسع في سوق العقارات، خصوصًا في بغداد، نتيجة تعقيد عمليات البيع وإحجام المستثمرين عن الدخول في السوق.
كما كشفت المحكمة عن وجود حالات غير منضبطة في تقييم الأسعار من قبل بعض الأطراف، حيث تم تقدير قيم العقارات بأقل من قيمتها الحقيقية بغرض الالتفاف على القرار المصرفي، ما أدى إلى هدر في المال العام وتراجع في الإيرادات الضريبية.
صلاحيات استشارية لا تنفيذية
وفي جانب آخر من القرار، بيّنت المحكمة أن مجلس غسل الأموال ومكافحة الإرهاب التابع للبنك المركزي يتمتع بسلطة استشارية فقط، ولا يملك صلاحية إصدار قرارات تُقيد حقوق الأفراد أو تُلزم السلطات الأخرى، إذ أن دوره استشاري بحت.
قابلية الطعن ومتابعة الرأي العام
وأكدت المحكمة أن القرار قابل للطعن تمييزيًا أمام المحكمة الإدارية العليا، ما يعني أن القضية لا تزال مفتوحة قانونيًا، وأن الرقابة الشعبية والإعلامية يجب أن تسلط الضوء على النقاط الإيجابية في القرار والتبعات القانونية اللاحقة.
ويبقى موضوع تنظيم بيع وشراء العقارات في العراق بحاجة إلى إعادة شاملة وصحية للتشريعات القانونية، بحيث تحقق مصلحة المواطن مع مراعاة المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال.
*باحث قانوني ومصرفي


